الوصية الأولى
تمهيد:
* من إعجاز القرآن الكريم أن يخاطبنا في كل زمان، وكأنما قد نزل في هذا الزمان، وعايش أحداثه حال وقوعها.من ذلك يرى المتدبر أن ما حدث من عدوان غاشم من اليهود على إخواننا في غزة مطلع عام 2009م، وما سبقه وصاحبه من أحداث، كأنما يحدثنا عنه القرآن الكريم في عدة سور؛ كالبقرة والنساء والمائدة والأنفال والتوبة والحشر، لكن السورة الأكثر وضوحًا في هذا الأمر هي سورة آل عمران، كما سنرى في هذا العمل.
* وقد أشار إلى صلة أحداث غزة بسورة آل عمران وغزوة أُحُد غير عالم من علماء المسلمين؛ كالدكتور عبد الحي الفرماوي(1) والدكتور جمال المراكبي؛ الرئيس العام لجماعة أنصار السنة في مصر(2).
وننصح القارئ الكريم قبل الشروع في قراءة هذا العمل أن يفتح أمامه هذه السورة الكريمة؛ للمساعدة على استحضار المعاني التي سنتطرق إليها بإذن الله تعالى.
* ومن إعجاز القرآن الكريم كذلك أن تلخص آية واحدة سورة بأكملها أو تكون فارقة بين قسمين رئيسين منها؛ كآية آل عمران (138) التي تصدرت عملنا هذا، فإننا لو تأملنا هذا التذييل وهذه الآية الكريمة لوجدنا لها أشباهًا في مواضع عديدة في كتاب الله تعالى مثل:
- قوله تعالى في سورة الأعراف: {.. هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) }.
- وقوله تعالى في سورة إبراهيم: { هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)}.
- وقوله تعالى في سورة الأعلى: { إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) }.
ولو تدبرنا الآيات الكريمات السابقة وأشباهها لوجدنا أنها تأتي غالبًا في أواخر السور، وإن جاءت متقدمة عن ذلك قصد بها كل ما تقدم من السورة؛ مثل قوله تعالى في سورة (صلى الله عليه وسلم): {هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآَبٍ (49) }، حيث أنهت الكلام عن ذكر قصص المتقين؛ الذي كثيرًا ما يعبر عنه بالذكر؛ كسورة مريم حين عبر عن قصة النبي زكريا بالذكر : { ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا } [مريم : 2]؛ أي أن الآتي من القرآن هو قصة ( ذكر) النبي زكريا، ولم يقل: هذا ذكر النبي زكريا كحالتنا؛ لأن هذه الصياغة تعني ما مضى من السورة لا ما يأتي، وبدأ بعدها الاستفاضة في الكلام عن مآلهم عند الله ( حسن المآب )، وكذلك مآل أضدادهم في الآخرة.
* أي أن القسم الأول من الآية 49 من سورة ص - قبل حرف العطف - لخص القسم الأول من السورة، كما لخص القسم الثاني منها القسم الثاني من السورة، {..وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآَبٍ (49)} فكأن هذه الآية هي مركز سورة ص وملخصها.
وقد رأى أغلب المفسرين أن اسم الإشارة: { هَذَا } في هذه المواضع إن لم يقصد به القرآن نفسه لكان المقصود به ما تقدم من الآيات السابقة لها من أول السورة.
إذًا الآية المعنية - ( آل عمران : 138) - تلخص ما قبلها، فما هو ما قبلها؟ وتمهد لما بعدها، فما هو بعدها؟.
ما قبلها هو قسمان من ثلاثة أقسام رئيسة لسورة آل عمران وهي:
1 – "فضح خطايا ونوايا أهل الكتاب".
2 – "وصية لعدم الوقوع في العنت المرجو من أهل الكتاب " ( وتنقسم لوصايا فرعية ).
وأما ما بعد الآية الرئيسة فهو القسم الثالث من السورة وهو : "موعظة لما بعد القرح المتسبب فيه أهل الكتاب".
أي إن تقسيم السورة موضوعيًّا كالآتي :
القسم الأول: فضح خطايا ونوايا أهل الكتاب ( الآيات 19 : 99 ).
القسم الثاني: وصية لعدم الوقوع في العنت المتسبب فيه أهل الكتاب وينقسم إلى :
أ ) وصية فرعية لما يختص بأهل الكتاب ( الآيات 100 : 115 ).
ب ) وصية فرعية لما يختص بالمنافقين ( الآيات 116 : 128 ).
جـ) وصية فرعية لما يختص بالتقصير الذاتي ( الآيات 130 : 137 ).
القسم الثالث: وصية ( موعظة ) لما بعد القرح ( الآيات 138 : 200 ).
وفي عملنا هذا نتكلم أولًا عن القسم الأول من السورة ثم الوصية الأولى من الوصايا الأربعة سالفة الذكر.
القسم الأول: فضح الخطايا والنوايا: { هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ }
بيان وإيضاح خطايا أهل الكتاب، وتصحيح الأخطاء في مجالات العقيدة والشريعة والقصص عندهم، وإظهار مدى عدائهم للمسلمين وكيدهم لهم، وبيان أن أكبر جرائمهم هي كتمان ذكر الإسلام ونبي الإسلام عليه الصلاة والسلام في كتبهم. وقد ذكر تعالى أن هذا القسم فضح هؤلاء العصاة للناس كافة لا المسلمين فحسب: { هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ }.
وقد استغرق هذا القسم حوالي نصف السورة، من بداية السورة حتى الآية (99)، وإن شئنا الدقة فإن الثماني عشرة آية الأولى كانت بمثابة التمهيد له، ثم كانت البداية الحقيقية لهذا القسم في الآيتين ( 19، 20 ) ذكر فيهما مصطلح "الإسلام" أربع مرات، حيث بدأ بإنكار أهل الكتاب الإسلام، وهم يعرفون صدق نبيه صلى الله عليه وسلم.
ثم أعاد القرآن الكريم ذكر جريمتهم هذه في وسط الفقرة ( الآية 67 )، ثم في أواخرها ( الآيات 83: 86 ) حيث ذكر فيهن مصطلح " الإسلام " ثلاث مرات.
* وقد كان التمهيد في الثماني عشرة آية الأولى مناسبًا جدًّا لموضوع السورة ككل وذلك بذكر التوراة والإنجيل؛ وهما كتابا أهل الكتاب الذين تتحدث السورة عن نواياهم وخطاياهم. { نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) }، ثم كان مناسبًا كذلك لموضوع القسم الأول ( فضح خطايا ونوايا أهل الكتاب ) من ناحيتين.
أولًا: بذكر استحالة إخفاء شيء على الله عز وجل: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6) } وهذا يناسب موضوع الفقرة من كشف المخفي؛ فقد علم وقدر ما يحدث في الأرحام فكيف لا يعلم سرائر الناس؟ ثم أكد تعالى على هذا الأمر – ألا يخفى عليه شيء - في ثنايا آيات القسم الأول من السورة: { قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) }.
ثانيًا: بالدعاء: { رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ( } لأن البيان - الذي هو موضوع القسم الأول من السورة - هو الدلالة التي تفيد إزالة الشبهة المذكورة في الآية السابقة ورفع الزيغ والالتباس والهداية إلى وضوح الأمر بعد الضلالة.كما مهدت هذه المقدمة لأول موعظة في القسم الثالث من السورة ( موعظة ما بعد القرح ) بقوله تعالى: { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا ... (13) } يقصد غزوة بدر؛ فكأنما يمهد بهما لقوله تعالى في القسم الثالث: {.. وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ.. } ومهدت كذلك للحث على الجهاد المذكور في وصية القسم الثالث من السورة ( الآية 146 ) والآيات (156 – 158 ), مهدت له بالآيات (14, 15 ).
* وقد كان أهم ما في القسم الأول بيان أن سبب اختلاف أهل الكتاب معنا واعتراضهم وكتمان ذكر الإسلام عندهم هو الحسد على نزع الملك والنبوة منهم إلى قوم آخرين هم العرب المسلمين: { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)} والعجيب أن مسألة نزع الملك والنبوة من اليهود لا زالت مكتوبة عندهم في كتبهم: "ملكوت الله - المملكة الإلهية - سينزع منكم ويعطى لأمة تؤتي ثماره.." (إنجيل متى 21: 43) ثم تذكر سائر كتب التوراة صفات هذه الأمة الوارثة التي لا تتطابق إلا مع العرب قبل الإسلام ألا وهي:
ثم شبه القرآن الكريم ملك ونبوة العرب المسلمين بالنهار والحياة؛ مثل قوله تعالى في موضع آخر: { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ... } [الأنعام: 122]، وعبر عن ضلالة اليهود وملكهم المنصرم بالليل والموت، مثلما عبر في سورة الإسراء عن الإسلام بآية النهار وعن ضلالات وتحريفات اليهود بآية الليل.
* بعد أن فضح القرآن سبب حسد اليهود في الآيات السابقة أنهى ذلك بنهيين بقوله: { قُلْ } للتمهيد لموضوع آخر من القسم الأول للسورة؛ وهو تصحيح أخطاء أهل الكتاب في عقائدهم وقصصهم. وقد استغرق ذلك الآيات: { إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)} إلى قوله تعالى : {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) }.
* بعد ذلك تتابع الآيات مجادلتهم في مواضيع أخرى مثل الاختلاف حول إبراهيم وأن المسلمين أولى به لأنهم على توحيده وقد كان إبراهيم أول من استخدم مصطلح "الإسلام" على نطاق واسع، وهو ما يجده اليهود عندهم في كتاب " الترجوم- التوراة الآرامية " ( 17: 1 ) حيث أمر الله إبراهيم أن يكون (مستسلمًا = مسلمًا ) لله وهو ما نجده في القرآن الكريم : { إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [ البقرة ]، وأنه هو الذي بنى الكعبة في مكة، واختار القرآن الكريم مصطلح ( بكة ) لأنه الاسم المكتوب عند أهل الكتاب حتى اليوم في سفر ( المزامير 5،6:84 ) ( وادي بكة ).
* ثم تستأنف الآيات فضح سلوك بعض أهل الكتاب من كتمان الحق المذكور عندهم ( الإسلام ) ومن إضلال الناس ونفاقهم وأكل أموالهم وتحريف كتب الله وشرائعه والصد عن سبيله.
الشاهد من أحداث غزة:
فضح القسم الأول من السورة قسوة قلب اليهود التي تمثلت ذروتها في قتل الأنبياء والصالحين: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) }، بل إن القرآن الكريم لم يلحق مصطلح "سفك الدماء" بأحد بعد ذكره على لسان الملائكة عند خلق آدم إلا بهم (كما قال الداعية المصري إهاب أبو المجد): { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ..} [ البقرة : 84 ]، هذه الدموية ذكرها اليهود لأنفسهم ( توراتهم الحالية ) : (( وأما مدن تلك الشعوب التي يعطيك الرب إلهك إياها ميراثًا فلا تستبق منها نسمة، بل دمروها عن بكرة أبيها ( تثنية 2 : 16، 17 )، (( والآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال.. )) ( عدد 31 : 14 – 18 ).
و (( حرموا كل ما في المدينة من الرجال وحتى المرأة ومن الشاب وحتى الشيخ، حتى البقر والغنم والحمير، فقتلوهم بحد السيف)) ( يشوع 6 : 21 – 25 ).
هذه الدموية التي فضحها القرآن الكريم والتي اعترفوا على أنفسهم بها في كتبهم قد رأيناها في عدوانهم الشيطاني على غزة.
ورأيناها في قتل وإصابة 7000 مدنيًّا نصفهم من النساء والأطفال والإبقاء على معدل مائة شهيد فلسطيني أمام كل قتيل إسرائيلي.
رأيناها في عدوان كاسح على مدنيين عُزَّل استمر اثنين وعشرين يومًا، تشكل الطائرات الإسرائيلية بأدخنتها رقم كل يوم من أيام العدوان. رأيناها في تدمير أكثر من مائة مسجد تدميرًا شبه كامل.
صورة تشهد على مجازر اليهود في غزة
وكذلك تدمير المدارس ( خمسة منها تابعة للأمم المتحدة، وفي أثناء وجود لاجئين فيها بعلمهم ) وتدمير آلاف المنازل والأبراج السكنية واستهداف المستشفيات.
واستعمال الأسلحة المحرَّمة دوليًّا؛ كالفسفور والدايم واليورانيوم المنضّب لدرجة أن كثيرًا منها ظل مشتعلًا أيامًا بعد انتهاء الحرب فما بالنا حين يصيب الإنسان؟
ومنها ما تدخل جسيماته الصغيرة جسم الإنسان فيدمره حين يستقر به فيكون النزيف حتى الموت. وتجميع الناس في منزل واحد ليدمر بهم؛ كمنزل عائلة السِّموني رحمهم الله حين قتلوهم جميعًا ( مائة نفس ) بعد احتجازهم مدة يومين.
كل هذا بعد حصارٍ رهيبٍ دام أكثر من عام.
* هذه القسوة والدموية التي فضحها القرآن رأيناها كذلك في أعقاب أحداث غزة، في انتخاب اليهود الأكثر دموية وقسوة مثل "نتنياهو" بـ "لاءاته" العشر الشهيرة وتصريحه أن عرب 48 يشكلون قنبلة موقوتة، وليبرمان الذي يصف عرب 48 – أصحاب الأرض – بأنهم يشكلون تهديدًا أسوأ من حماس واقترح طرد مئات الآلاف منهم بعد تجريدهم من جنسيتهم، هذا السفاح يراه الصحفي الصهيوني المتشدد منتقد حركة السلام "مارتن بيريتز" من صحيفة "نيوربابليك" يراه من الفاشيين الجدد، ويراه رجل عصابات بكل ما للكلمة من معنًى!!. وفي هذا الوقت يشرئب كذلك "بيني موريس" المؤرخ الإسرائيلي الذي كان قد وثَّق عمليات الطرد الجماعي والقسري للفلسطينيين عام 1948م، إذا به يطالب بتهجير العرب الذين رآهم يشكلون طابورًا خامسًا(4) وينقلب على أفكاره القديمة المعتدلة.
القسم الثاني: وصية لعدم الوقوع في العنت { هُدًى وَمَوْعِظَةٌ }
وهو وصية للمسلمين حتى لا يقعوا في العنت الذي يريده أهل الكتاب لهم، وقد استغرق ذلك الآيات ( 100: 137 ). وهو موضوع الدراسة الأساس، وسوف نعرض بإذن الله كل وصيةٍ والشاهد منها من أحداث غزة.
بعد أن فضح الله تعالى سرائر وخطايا أهل الكتاب كان طبيعيًّا أن يسأل المسلمون: وماذا نفعل معهم إذًا؟ فكانت تلك الوصية العظيمة.
* وأية وصية تنقسم إلى أوامر ونواهٍ ( افعل ولا تفعل )، فعبر القرآن الكريم عن الأوامر بالهدى وعن النواهي بالموعظة،كما قال تعالى لنوح حين نهاه أن يدعو لولده الكافر : { إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ } [ هود] أي أن هذا القسم هو القسم الثاني من الآية 138 وهو: { هُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ }، كما كان القسم الأول هو: { بَيَانٌ لِلنَّاسِ } لكل الناس. أما الأوامر والنواهي فلا يمتثل لها إلا المسلمون المتقون؛ فلم يقل هنا: هدًى وموعظةً للناس !!.
وقد انقسمت هذه الوصية كما أسلفنا إلى ثلاث وصايا فرعية:
الوصية الأولى: فيما يختص بأهل الكتاب ( وهي موضوع مقالتنا الأولى هذه ).
وقد استغرقت – هذه الوصية – من الآية 100 إلى الآية 115 وهي تشمل بندين :
البند الأول: عدم طاعة المحاربين من أهل الكتاب
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) }.
وقد نزلت هذه الآية في " شاس بن قيس " وهو يهودي أفسد بين الأوس والخزرج بعد إسلامهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى كادوا يتقاتلون لولا وقوف النبي صلى الله عليه وسلم بينهما. وقوله تعالى: { يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ } يبدو أن الكفر المقصود هنا هو ما يعنيه الحديث الشريف المروي في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ » أي يجعلونكم تتقاتلون.
الشاهد من أحداث غزة:
شخصية اليهودي الذي يخطط ليؤلب فريقًا من المسلمين على غيره كشاس بن قيس قد تمثلت هنا بسياسي يهودي أمريكي من إدارة بوش سيئة الذكر يدعى "إليوت إبرامز".
صورة لإليوت إبرامز
وهو مدان سابقًا في فضيحة "إيران كونترا" ومدافع عن مجازر تمت في أمريكا الوسطى ( Elmogote massacre ) ومن دعاة احتلال العراق. هذا الشقي وضع خطة لإشعال حرب أهلية فلسطينية - راجع في ذلك "خطة إبرامز" لإشعال حرب أهلية فلسطينية موقع العربية
www.alarabiya.net – وقد فضحت هذه الخطة مجلة "فانتي فير" الأمريكية
www.vanityfair.com/politics ب(5) التي ذكرت أن الخطة التي أشرفت عليها "رايس" ووافق عليها بوش وبمساعدة شركاء إقليميين فشلت؛ لأن مقاتلي فتح المدعومين قاموا - عن غير قصد - باستفزاز حماس للاستيلاء على غزة.
والحق إن مسألة "من غير قصد" فيها نظر؛ لأن الاستعمار منذ الأزل يؤجج نار الحرب بين فرق المسلمين المتناحرة، بل ويدعم الطرف الأضعف أيًّا كان حتى يضعفوا جميعًا كما حدث في الأندلس(6)، وقد ذكر الأكاديمي الأمريكي الشهير فاضح اللوبي اليهودي في أمريكا "ستيفن والت" في مقالة في موقع مجلة السياسة الخارجية الأمريكيةFPل(7) أن إسرائيل حين انسحبت من غزة عام 2005م قد باعت أسلحة خفيفة للطرفين عن طريق وسطاء مأجورين للتضليل، وهو ما رآه أيضًا البروفيسير " ميرشايمر " الأستاذ بجامعة بوسطن، وهو من منتقدي اللوبي اليهودي في أمريكا . كما كان غريبًا أن يضغط بوش على عباس حتى لا يؤجل الانتخابات الفلسطينية بما يخدم مصالح فتح(! مما أغضب الكثيرين من فتح، ثم ضغط على فتح حتى لا تشارك في حكومة وحدة وطنية مع حماس وحرك بعض عملائه في فتح لاستفزاز حماس مما أدى إلى الاقتتال الداخلي المطلوب إسرائيليًّا وأمريكيًّا.
وهكذا كانت طاعة أهل الكتاب ( أمريكا وخطة "إليوت إبرامز" ) سببًا في اقتتال المسلمين قبل العدوان على غزة، بل إنه مهد له لأنه أعطى الفرصة لادعاء سيطرة من يسمونهم في الغرب بالمتطرفين الإسلاميين على غزة بعد هزيمة فتح وانسحابهم المفاجئ. بل يسمي الغرب غزة تحت سيطرة حماس غزَّستان وحماسِسْتان على وزن طالبان.
* الخطط الغربية الهادفة لوقوع الاقتتال بين المسلمين في المنطقة لم تقف عند ما قبل العدوان على غزة من اقتتال حماس وفتح، بل امتدت لما بعد العدوان.
البند الثاني: لا تنشئوا فرقًا تختلف مع ثوابت الدين
{ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) } (9).
لأن ترككم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يؤدي إلى انشقاقكم ونشوء الفرق المختلفة في أصول الدين؛ كما حدث لليهود والنصارى على مدى تاريخهم. وهم - أهل الكتاب - لذلك سيرعون نشوء الفرق المخالفة في العقائد والأصول عند المسلمين . وما ينبغي أن يحدث هذا؛ لأن الله قد بـيَّـن لنا أدلة وآيات هذه المؤامرة وفضح لنا سرائر المعادي لنا من أهل الكتاب، فيجب علينا تنفيذ وصايا الله تعالى الذي لا يظلمنا بهذه الأحكام والوصايا التي هي صحيحة حقًّا، وهي من عند الله حقًّا، ووقوع المسلمين في هذا الشَّرك قد يؤدي إلى انقسام المسلمين إلى دولٍ نشأت على أساس الاختلاف المذهبي تتقاتل فيما بينها كما بيَّن تعالى في البند الأول للوصية.
الشاهد في عصرنا وأحداث غزة:
صورة لصبحي منصور
* لم ير المعاصرون وقتًا نشأت فيه فرقًا ذات أفكار شاذة كعصرنا؛ فنرى منكري السنة الذين يسمون أنفسهم بالقرآنيين، ونرى غلاة الصوفية وغلاة الشيعة. وعلى الجانب الآخر نجد "الحداثيين" وهم غلاة العلمانيين ونسمع أخيرًا عن عودة البهائية. الكل يعمل ويستقطب الناس دون رادع، وقد كان مناسبًا جدًّا أن يذكر القرآن ذلك في معرض الوصية فيما يختص بأهل الكتاب؛ لأن كل هذه الفرق كلها مدعومة منهم. فالبهائية مركزها في الكيان الصهيوني ونشأت تحت رعاية الاحتلال الإنجليزي. كما أن أمريكا هي الداعم الأول لمنكري السنة وزعيمهم في مصر ( د. صبحي منصور ) الهارب عندها، وأعلن في ذروة أحداث غزة عن اضطهاد فرقته في مصر!.
ثم الحداثيين وممثليهم [ جمال البنا ونوال السعداوي وزكريا أوزون (صاحب كتاب "جناية البخاري" وكتاب"جناية الشافعي" وكتاب"جناية سيبويه"!) وسيد
القمني وغيرهم ].
فلا أدل على دعم أمريكا لهم من تقرير الخارجية الأمريكية "الإسلام المدني الديمقراطي" civil democratic Islam الذي يدعو صراحةً إلى دعم التصوف والحداثيين من أجل تغيير الإسلام نفسه!.
كما لا ينبغي لنا في معرض ذكر الفرق المخالفة للأصول أن ننسى ما يمكن أن نسميهم "المشرعين الجدد" ففي عام 2008م تبنت د.زينب رضوان وكيلة
صورة لكاتب جناية البخاري لزكريا أوزون
مجلس الشعب المصري مشروع مساواة المرأة مع الرجل في الميراث، ثم صدر قانون الطفل الذي شاركت في صياغته جهات كنسية غربية، ثم صاغ مركز قضايا المرأة المصرية مشروع قانون يؤكد حق الزوجة في نصف ثروة الرجل كالقانون الأمريكي(10)، ثم إقدام لجنة السياسات في الحزب الوطني المصري الحاكم على طرح تعديل على قانون الأسرة يمنع تعدد الزوجات(11)! وقبل ذلك فتاوى بعض علماء مصر والمملكة الرسميين في هذا الأمر من دعوة المرأة إلى ضرب زوجها إن ضربها أو تأتي بأبيها وأخيها لضربه!.
ثم السكوت على إقدام فرنسا على اشتراط "تأهيل" أئمة المساجد في المعهد الكاثوليكي، بل وتم تخريج الدفعة الأولى بالفعل (400 إمامًا) حسب ما أوردته القناة الخامسة الفرنسية في 11 / 2 / 2009م(12). وأخيرًا وليس آخرًا، إقدام الأزهر على الاتفاق مع بنديكت شاتم الإسلام على مراجعة الكتب المدرسية وتنقيتها من النصوص المسيئة للمشاعر الدينية! بل وإسناد رئاسة الاجتماع إلى الكاردينال "توران" أكثر المتحاملين على الإسلام(13).
خاتمة الوصية الأولى:
بعد ذكر بندي الوصية الأولى هذه خُتمت بذكر أن هذه الآيات هي وصايا الله وأحكامه التي لا يمكن أن تكون إلا من عنده والتي لا يمكن أن يكون فيها ظلم لأحد: { تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ (108) }.
وإن لم تطبقوا هذه الأحكام فاعلموا أن عصيانكم هذا سيسوِّد وجوهكم أمامه تعالى، وعندئذٍ اعلموا في حق مَنْ أخطأتم إنه الذي له ما في السماوات وما في الأرض، فلا مهرب منه ولا بطش كبطشه { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (109) }، ثم يُرغِّب القرآن المسلمين بذكره أنهم في علم الله خير أمة فكيف لا يطبقون وصايا الله؟ { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)}، ويُرغِّبهم ويحفزهم مرة أخرى حتى يبين لهم ضعف أعدائهم، وأن ضررهم بهم لن يكون ماحقًا فيستبيحوا بيضتهم أو يكسروا إرادتهم. وأنهم جبناء عند اللقاء مع المسلمين إذ يولوهم الأدبار. ثم بيَّـن القرآن الكريم سببًا مهمًّا لضعف أعدائهم هؤلاء إذ إن قوتهم ليست ذاتية بل إنها مرتبطة بجسور وحبال لهم مع غيرهم بعد أن قطعوا حبلهم مع الله الذي تعتصمون به أنتم يا مسلمون إن شاء الله - كما طولبتم في الوصية – ولو سعيتم لقطع حبلهم مع الناس هذا لانقطع الحبل السُّري لبقاء كيانهم. كما أنهم أذلاء بسوء اعتقادهم في الله وسوء أفعالهم خاصةً سفك دماء الأنبياء والصالحين، وكذلك بعصيانهم وعدوانهم، وهم بذلك يحملون غضب الله فكيف تخافونهم؟ { لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112)}.
الشاهد من أحداث غزة:
الشاهد في هذه الفقرة القرآنية من أحداث غزة أمران:
أولًا: جبن اليهود وضعفهم:{ لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111) }.
وقد تمثل ضعفهم في اعتمادهم على ضربات الطيران التي لا يملك أهل غزة سلاحًا مضادًا لها، واستخدام أسلوب الأرض المحروقة قبل التقدم ومرافقة الطيران لكل فصيلٍ متقدم، ثم في عدم تطبيقهم للمرحلة الثالثة التي أعلنوا عنها؛ وهي التوغل داخل المدن لا الأطراف فقط. وتمثل - كما روى المجاهدون - في ارتداء جنود اليهود للحفاضات! وقد اعترف "باراك" وزير الحرب الإسرائيلي وقتذاك وفي اليوم الثالث لمؤتمر "هرتسيليا" للأمن القومي بأن حماس نجحت في زراعة الخوف في قلب جنوده(14).
* وأما ضعف كيانهم فلا أدل عليه من اعتمادهم على دول كبرى؛ إنجلترا أولًا، والآن أمريكا التي شحنت لها أسلحة من قواعدها في اليونان في أيام العدوان، وهو ما حدث من قبل في حرب العاشر من رمضان.
ولقد حدد المفكر الراحل عبد الوهاب المسيري عشر علامات لزوال دولة إسرائيل؛ منها تآكل المنظومة المجتمعية، وفشل صهر المجتمع عندهم - الروس الآن خمس اليهود بعد الهجرة من الاتحاد السوفيتي المتفكك - ومنها تدني مستويات الهجرة مقابل تزايد النزوح من إسرائيل، ومنها اتساع الهوة بين العلمانيين والمتدينين، والفشل في تحديد ماهية الدولة اليهودية التي يرى بعض حاخاماتهم أن إعلانها هو علامة انهيارها، ومنها عدم القضاء على السكان الأصليين ( الفلسطينيين ) والفشل فيما نجح فيه الغرب في أمريكا واستراليا من إفناء السكان الأصليين، بل إن أعداد الفلسطينيين تزداد فيما عرف بالقنبلة الديموجرافية، حيث يشكل فلسطينو 48 وحدهم 20% من سكان الكيان الصهيوني(15) في الوقت الذي تراجع فيه عدد اليهود في العالم إلى النصف خلال 37 عامًا نتيجة التحول عن اليهودية والزواج من غير اليهوديات وانخفاض نسبة المواليد(16).
وذكر المسيري أن من علامات زوال دولة إسرائيل كذلك استمرار المقاومة التي سماها "جرثومة النهاية للدولة الإسرائيلية".
وأخيرًا ذكر رحمه الله أن آخر علامات زوال دولة إسرائيل هو تَحدُّث بعض الأمريكيين أنها أصبحت تشكل عبئًا إستراتيجيًّا على أمريكا(17)؛ لا أدلُّ على ذلك من إنهاء العدوان على غزة قبل تنصيب "أوباما" رئيسًا لأمريكا بيوم واحد، وهي كما قال ربنا تعالى لا تقوم إلا بدعم خارجي، هذا الدعم يكون نظير قيام إسرائيل بوظيفتها الاستعمارية للغرب عندنا ؛ فإن فشلت أو هزمت هزيمة حاسمة واحدة انهارت تمامًا.
يعزز هذا أن اليهود لا يتحملون خسارة بشرية كبيرة لجبنهم وحرصهم على الحياة أيًّا كانت، كما أخبر ربنا تبارك وتعالى بذلك. ومن ينسى كيف كان أثر صواريخ القسَّام يدوية الصنع إبان العدوان من إصابات بالرعب والهلع بين اليهود؟.
لقد قال "بيريز" رئيس الكيان الصهيوني حين سئل في الذكرى الستين لكيانهم، إن كانت إسرائيل ستعيش ستين سنة أخرى - قال : اسألني هل ستبقى عشر سنوات قادمة؟!.
ثانيًا: ليس كل الكتابيين معادين لنا: { لَيْسُوا سَوَاءً }
فمن ينسى الحاخام اليهودي من جماعة "ناتوري كارتا" الذي أحرق جواز سفره الإسرائيلي في مظاهرات إنجلترا ضد العدوان؟.
وكذلك المؤرخ الإسرائيلي "شلومو زاند" الذي تكلم عن داود الفلسطيني وجوليات"جالوت" اليهودي الذي احتكر حق الدفاع عن النفس، ثم تمنى أن توقظ هذه الحرب ضمير العالم(18).
وكذلك الروائي الإسرائيلي المعروف "ديفيد بروسمان" الذي صرح بأنه يجب أن تفهم إسرائيل أن العيش مع جيرانها يقتضي القليل من الإحساس بالمعاناة البشرية(19).
ومن ذلك أيضًا بكاء مذيعة الأخبار الإسرائيلية الشهيرة "يونيت ليفي" على أطفال غزة مما عرضها للهجوم الشديد وتهمة التعاطف مع العدو!!.
وانتقاد المذيع الأمريكي اليهودي "جون ستيوارت" للموقف الأمريكي المتحيز لإسرائيل في برنامجه الشهير: "the Daily show "وسخريته الشديدة لذلك من بوش(20).
وأيضًا وصف المحقق الأممي اليهودي "ريتشارد فولك" الوضع في غزة بالوضع الذي كان في جيتو وارسو أثناء الحرب العالمية الثانية ( معسكرات النازي)(21).
أما "جدعون ليفي" الصحفي الإسرائيلي الشهير فقد وصف ما فعله اليهود في غزة بجريمة الحرب، وأضاف في فيلم وثائقي لقناة الجزيرة بعنوان "في الواجهة" أذيع في مساء 20 / 2 / 2009م: إذا لم يكن ما فعلته إسرائيل إرهابًا فما هو الإرهاب؟.
"إسرائيل وايز" الحاخام اليهودي المعادي للصهيونية هو وجماعته ذكر في فيلم الجزيرة سالف الذكر أن إسرائيل تستغل محرقة الماضي لممارسة محارق أخرى للفلسطينيين، وأنهى كلامه بقوله: صلوا من أجل زوال إسرائيل!.
المؤرخ اليهودي الأمريكي "نورمان فينكيلشتاين" عتب في ذات العمل على أوروبا التي تحارب تهريب السلاح إلى الضحية - أهل غزة - وختم كلامه بقوله: (( هذه الدولة الطائشة - إسرائيل - لا تتكلم إلا عن الحروب ، مولودة من رحم جهنم حيث يجب أن ترجع )).
وأخيرًا المحامي والسياسي اليهودي "أفيجدور فيلدمان" الذي وصف ما حدث في غزة بالمذابح الجماعية.
هذا عن المنصفين من اليهود، أما عن الغرب عمومًا فيكفي أن نعلم أن إنجلترا كانت ثاني دولة في مقاطعة إسرائيل؛ حيث طالب الحزب الليبرالي الديمقراطي - ثاني أكبر أحزاب بريطانيا – الاتحاد الأوروبي بقطع علاقاته التجارية مع إسرائيل(22)، كما ذكرت الكاتبة البريطانية "ناعومي كلاين" في جريدة "الجارديان" أن أفضل طريقة لإنهاء الاحتلال الدموي هي استهداف إسرائيل بالمقاطعة.
حتى اليهود من الإنجليز أدانوا إسرائيل مثل عضو مجلس العموم" جرارد كاوفمان" الذي قال : إن إسرائيل دولة إرهابية قامت على التمييز العنصري والإرهاب وطالب حكومته بمنع مد إسرائيل بالسلاح؛ لأن مجازر إسرائيل في غزة غير مبررة(23).أما الكاتب البريطاني "روبرت فيسك" فقد ذكر في "الإندبندنت" أن وحشية إسرائيل في غزة تصل إلى مستوى حروب البلقان في التسعينات، وفي مقال آخر في بدايات الحرب هاجم الأنظمة العربية بشدة لفسادها وتراخيها مع إسرائيل.
كذلك طالب عمدة لندن السابق "لي ليفنجستون" بمقاطعة إسرائيل، أما الموقف الأكثر رجولة فكان من السياسي السكوتلندي"جورج جالاوي" الذي قاد مظاهرات يصل المشاركون فيها إلى ربع المليون، وهاجم المتخاذلين من العرب، وقاد قافلة من المساعدات من بلاده إلى غزة عبر شمال أفريقيا ومعه عدد من نواب البرلمانات الأوروبية!.
أما في سائر أوروبا فقد تواصلت المظاهرات في عواصم فرنسا وبلجيكا والدانمارك وأسبانيا والنرويج والسويد الذي تعرض السفير الإسرائيلي فيها إلى الضرب بالحذاء، بينما كان يحاضر في جامعة "ستوكهولم"(24)! أما في ألمانيا فقد كانت المظاهرات الأكبر، كما كشف استطلاع للرأي أن 70% من شباب ألمانيا قد تخلصوا من شعورهم التقليدي بالمسئولية إزاء إسرائيل(25).
أما في الولايات المتحدة فقد خرجت المظاهرات، وإن كانت ليست بزخم مثيلتها الأوروبية. كما ذكر الأكاديمي الأمريكي "جون ميرشايمر" أن إسرائيل قد خططت لهذه الجريمة منذ اتخاذها قرار الانسحاب من غزة في 2005م، العجيب أنه ذكر ذلك في مجلة يمينية متطرفةthe American conservativeب(26).
وقال أيضًا "رمزي كلارك" [المسئول الأمريكي السابق] في فيلم الجزيرة سالف الذكر أن ما حدث في غزة أسوأ من عام 48؛ إذ يريد اليهود من الفلسطينيين أن يخافوا ويرحلوا، وأن هذه جريمة حرب كحال أمريكا في العراق.
ذكر أيضًا "فرانسيس أنتوني بويل" الأكاديمي الأمريكي في ذات الفيلم الوثائقي أن العالم يجب أن يردع إسرائيل؛ لأن ما فعلته من إطلاق الرصاص على المصابين في المستشفيات جريمة حرب.
حتى الفنانين الأمريكيين تفاعلوا مع الحدث مثل المغني "مايكل هارت" الذي غنى أغنية عن المجاهدين في غزة عنوانها: "لن نركع"(27).
الأكثر عجبًا كان موقف أمريكا الجنوبية حيث خرجت المظاهرات الحاشدة وأقدم رئيسا كلٍّ من بوليفيا وفنزويلا على قطع العلاقات مع إسرائيل، مما أحرج العديد من المسئولين العرب، بل إن الرئيس البوليفي "موراليس" طالب بسحب جائزة نوبل للسلام من الرئيس الإسرائيلي "بيريز".
الخلاصة:
هكذا استعرضنا بفضل الله تعالى القسم الأول من سورة آل عمران "فضح خطايا ونوايا المحاربين من أهل الكتاب"، وشاهد ذلك من أحداث غزة.
ثم الوصية الأولى من وصايا آل عمران الأربع، وشاهد ذلك أيضًا من أحداث غزة. وكل هذا يُظهر مدى إعجاز نظم القرآن، وتماسك السورة الواحدة، بل وتلخيصها في آية واحدة. وبيان بصمة القرآن في الصيغة الواحدة رغم نزوله مفرقًا. كما بيَّن ذلك إعجاز نبوءات القرآن في كشف نوايا وخطايا أهل الكتاب كما نراها الآن ، وكذلك في تحقيق ما حذر منه القرآن حين لا ننفذ وصايا الله تعالى