الرهان الذي يتفاءل به المصممون العالميون في كل الأوقات
لندن: جميلة حلفيشي
في أسبوع الصين للموضة المقام حاليا في بجين، طالعنا من منصة عرض «وايت كولر» لربيع وصيف 2010 منظرا أصبح مألوفا، ومرغوبا فيه أيضا، يتمثل في استعراض مجموعة عارضين وعارضات أزياء جد أنيقة مع مجموعة من الصغار لا يقلون أناقة عنهم، وإن تفوقوا عليهم في الكاريزما والتأثير. فقد نجحوا في انتزاع الابتسامات من الحضور وإعطاء الأمل بأن صناعة الموضة ككل ستتعافى من وعكتها الحالية قريبا. ولأن الحلم هو الأساس الذي تقوم عليها ثقافة الموضة ككل، فهذا المنظر، بث الأمل، ليس في نفوس العاملين في قطاعها أو المهتمين بها فحسب، بل أيضا في الآباء والأمهات ممن يؤمنون ويتمنون العودة إلى مفهوم الأسرة وتكافلها. وهو المفهوم الذي بدأ يتعالى مؤخرا، بعد الأزمة الاقتصادية العالمية التي فتحت الأعين على الكثير من الثغرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأصبحت الموضة تتبناها بشكل واضح. فالصورة التي تريد أن تعكسها للمجتمع حالية هي صورة إيجابية تنأى بنفسها عن مخاطبة المرأة العاملة والمستقلة التي تريد فرض نفسها بأي شكل من الأشكال فحسب، والرجل الشاب المتأنق الذي يريد أن يعيش حياته بالطول والعرض، لا يهتم إلا بمظهره والاستمتاع بملذات حياة العزوبية، وتقترب من روح الأسرة ومفهومها، على أساس أن الحياة اللذيذة، يمكن أن تستوعب أطفالا، بل هم زينة الحياة. وحتى إذا لم تكن هذه هي نية بعض المصممين، فإنها تبقى صورة إيجابية تعكسها نظرات الحضور المتحمس دائما لهم.
لا يختلف اثنان أن جزءا كبيرا من كعكة الأزياء حتى عهد قريب كان من نصيب المرأة فقط. فهي التي يتوجه لها المصممون بإبداعاتهم سواء في مجالات «الهوت كوتير» أو الأزياء الجاهزة. وهذا ليس غريبا بالنظر إلى أنها هي التي أنعشت سوق الموضة منذ بدايتها، وتفاعلت معها وأثرت عليها دائما بشكل أو بآخر، فيما ظل الرجل المتلقي الضعيف، يكتفي بتناول قضمة منها على فترات، يستلذها أحيانا ويتخوف منها أحيانا. بالطبع تغير الأمر في السنوات الأخيرة مع ظهور مفهوم الرجل «الميتروسكشوال»، أي المتأنق، من جهة، وانتباه عدد كبير من المصممين الشباب إلى هذه الثغرة فحاولوا ملأها لأسباب شخصية وميكيافيلية، على حد سواء، من جهة ثانية. والأسباب الشخصية تكمن في أن الكثير منهم ينتمي إلى شريحة الشباب ومن ثم يفهمون ما يطلبه أبناء جيلهم وما كان ينقصهم، والميكيافيلية لأن السوق باتت تحتاج مجالا جديدا يدر بعض الأرباح.
ومع تطور مفهوم الموضة وانتعاش الاقتصاد، قبل الأزمة الأخيرة، فإن الرغبة في كل ما هو مترف وغال تأججت بشكل مبالغ فيه ليشمل كل مناحي الحياة من سفر وفن وأطفال. والمقصود هنا موضة الأطفال التي تبين أنها لا تقل أهمية عن الأزياء النسائية، وإن لم تصل إلى مرتبتها بعد لسبب وحيد وهو تاريخها الطويل، لكنها حتما تتعدى أهمية الأزياء الرجالية من حيث المبيعات في الوقت الحالي، على الأقل. فكل من توجهوا إلى هذا المجال، لم تخيب أرقام المبيعات توقعاتهم وتأكدوا أنه قطاع مضمون، حتى في أوقات الأزمات الاقتصادية. فقد تبخل المرأة على نفسها بإكسسوار غال، أو يستغنى الرجل عن قطعة لا يعتبرها ضرورية، لكن من الصعب أن يبخل أب أو أم على طفلهما أو طفلتهما بشيء جديد ومميز في أي مناسبة مهمة، عدا أن حاجة الصغار أكثر إلحاحا، لأنهم يكبرون بسرعة ويحتاجون إلى مقاسات جديدة بشكل سريع. لكل هذه الأسباب ليس غريبا أن نرى الكثير من المصممين أمثال جون بول غوتييه، ستيلا ماكارتني، بلومارين.. وغيرهم، يقحمون عارضين صغارا في عروض الكبار، ليلهبوا الحماس ويحركوا السوق. والطريف في الأمر، أن الكثير من هذه الأزياء عبارة عن نسخ مصغرة لما يلبسه الكبار، سواء تعلق الأمر ببدلات للذكور أو فساتين منسابة أو محددة بأحزمة من الساتان على شكل شرائط وفيونكات للإناث.
في عرض شقي الموضة الفرنسية جون بول غوتييه للرجال، مثلا ارتأى أن يحلي عرضهم بإرسال مجموعة من الأطفال لا يختلفون عن الكبار، من حيث الأزياء والمكياج والإكسسوارات، بما فيها الشعر المستعار الضخم، سوى من حيث أحجامهم. لكن النتيجة كانت كبيرة ولافتة. ومثل كل وصفة ناجحة، فإن هذا المجال سرعان ما انتعش وأصبح حقا مشاعا للكل، فدار «ديور» تطرح في كل موسم أزياء تخاطب شريحة الصغيرة منذ ولادتهم إلى بلوغهم الـ12 من العمر، كذلك الأمر بالنسبة لدار «بيربيري»... وغيرهما، عدا النجاح الذي يحقق معرض «بيتي أومو» السنوي الذي تشهده مدينة فلورنسا الإيطالية كل سنة، وتشارك فيه كبريات بيوت الأزياء العالمية.
طبعا هذه التشكيلات موجهة إلى النخبة والقادرين ممن يريدون أن يكون فلذات أكبادهم في أناقتهم وانعكاسا لصورتهم ومكانتهم، وبالتالي يصعب على العموم الوصول إليها أو الحصول عليها، مما أعطى الفكرة لمحلات «غاب» الأميركية أن تكون سباقة وتتعاون مع مصممة عالمية من عيار ستيلا ماكرتني لطرح تشكيلة خاصة بها، تتميز بكل تفاصيل الأناقة والجمال، لكن بأسعار في المتناول. لم يكن اختيار ستيلا اعتباطا، كما أنه لم يكن، فقط، لأنها حققت الكثير من النجاح بتعاونها سابقا مع محلات «إتش آند إم» عندما طرحت تشكيلة مماثلة خاصة بالنساء نفدت من الأسواق، لكن لأنها أم أولا وأخيرا، وبالتالي تعرف ما تحتاجه الأمهات والأطفال من أزياء تجمع بين العملية والأناقة. في لقاء أجرته معها مجلة «جونيور»، قالت: «عندما أتسوق لأطفالي ميللر (4 سنوات)، وبايلي (3 سنوات)، وبيكيت (20 شهرا)، لا أجد ماركة واحدة تمنحني كل ما أريده، مما يدفعني للبحث في عدة أماكن على بغيتي، كما أن ليس كل ما هو مطروح يروق للأطفال، رغم أني محظوظة لأنهم لا يزالون في سن لا يسمح لهم بعد بالتذمر والعناد، لهذا عندما صممت هذه التشكيلة حرصت على أن لا تكون بلغة واحدة، بل عبارة عن حوار غني، إن صح القول. فهي أنيقة بألوان رائعة بدرجات هادئة وبخطوط تعودت عليها واستقيتها من مجموعتي الخاصة بالمرأة». وتضيف ستيلا في حوارها أنها قبل أن تصبح أما لم تفكر إطلاقا في تشكيلة خاصة بالأطفال، لكن الحاجة أم الاختراع، وهذا يؤكد أن كل أم سترحب بكل ما يطرحه لها المصممون وبيوت الأزياء ما دام مميزا ويغذي رغبتها في أن يكون طفلها أو طفلتها في أحسن صورة. وهذا أيضا ما تراهن عليه الموضة حاليا.